"المَعبَر" ثلاث مسرحيات تختتم بمشهدية واحدة...ولكن!


*اكتشاف مخرجة وأداء تمثيلي موهوب بإشكاليات كثيرة!*
*ملاحظات ما بين التلفزيون والمسرح وجب عدم الوقوع فيها!*
*الإنتاج الضخم يتطلب دقة ودراية ودراسة في مشهدية السينوغرافيا!* 

*كتب// جهاد أيوب*
       ما أن وصلت إلينا بطاقة حضور مسرحية " المَعبَر" حتى لفتنا أكثر من حالة قد تكون اشكالية، وقد تكون مجرد طرح غير مقصود، ومنها كلمة " عمل مسرحي إنغماسي" وهذا غير موجود في عالم المسرح والفن، فكلمة " إنغماسي" مصطلح ظهر مع دخول تنظيم "القاعدة" الى العراق وسورية، واستخدمته معظم التنظيمات السلفية الداعشية في كل من العراق وسورية واليمن... هو كناية عن عنصر مدرّب تدريباً عسكرياً عالياً على المهام الخاصة والاقتحامات، ويتمتع بلياقة بدنية عالية تمكّنه من الاستمرار في القتال والمناورة أطول فترة ممكنة.
والانغماسية تعني قوة ضاربة لأهل الجهاد إذا قصدنا مجاهدينا الأشراف!
وفي اللهجة اللبنانية الشعبية تحديداً في الجنوب يعني " غمس وغَرف لقمته بصحن الأكل أو بالدبس واللبن واللبنة وما شابه، وفي حالة الأمر يقال إغمس ! 
ومن ثم وقعنا في مسألة ترجمة " المَعبَر" فهي باللغة الإنكليزية تعني Path أو The crossing وليس كما كُتبت على البطاقة The Border التي تعني " الحدود" ...اصلاً لا أعرف لماذا كُتبت، ولماذا فرضت وهي خطأ بالمعنى؟!
تحمست تطفلاً لمشاهدة العرض، وأنا غير مقتنع بما قدمته مخرجة العمل ريان خير الدين من خلال ما شاهدته سابقاً، وما زادني تطفلاً الإنتاج الملفت للمنتج المنفذ جاد شاهين، وصفحة الشكر لمجموعة كبيرة ساهمت في الإنتاج والمساعدة!!!
الدخول... إشكالية المكان غير التقليدي مع إننا شاهدنا المسرح المفتوح والدائري وتغييب الخشبة والأداء بين الحضور و و و، ولكن هنا فُرض بتهذيب الانتقال من خيمة إلى خيمة لنتابع احداث المسرحية التي قرروا أن اشاهدها!
 والنتيجة في كل خيمة مسرحية مختلفة عن التي شاهدتها ...وأيضاً من سيشاهدها سيتنقل مثلي بين الخيم!
ثلاث مسرحيات، كل مسرحية لها أربع مشاهد مختلفة في أربع خيم تصل إلى المشهد الخامس " النهاية" في خيمة كبيرة تجمع كل عناصر وأبطال وحكايات ثلاث مسرحيات، أنا شاهدت واحدة منها، وهنا قد يقصدون الإنغماس بالمعنى، ولكن الكلمة الصح فنياً ونقدياً " المسرح الاندماجي"...دعونا من اشكاليات التسمية، ولنذهب إلى ما شاهدنا!

*أجَّلناها*
من حظي كانت مسرحية " أجَّلناها"، وانزعجت لعدم تمكني من مشاهدة المسرحيات التي عرضت معاً وأنا لا استطيع الانقسام هنا وهناك وهنالك!
دخلنا الخيمة مع حوار صوتي لمجموعة أناس عن بعض الأمور الاجتماعية ومنها عن الرصاص، لندرك أننا في حي شعبي، وجلسنا أمام غرفة تقليدية كصالون صغير لعائلة متوسطة الدخل، الإضاءة مسطحة كل الصورة واضحة، وفتاة فهمنا بأنها إعلامية إسمها نور الهدى - زينب برجاوي - تتحدث عن الأسرة السعيدة عبر شاشة تلفونها من أجل لعبة السوشال ميديا، ويدخل خطيبها نور علي - حسن قطيش- ويبدأ الحوار التلفزيوني الممل احياناً لكثرة تكرار الكلام وخبرية تأجيل الزواج!
تدخل أم نور الهدى- آية بغدادي- حماة العريس وهات يا نكد، ونكمل الملل مع ابتسامات وضحكات لبعض المواقف، ويدخل والد العروس أبو كمال - حسين محي الدين- شخصية مهضومة لم تخدم جيداً في المشهد فظهرت مظلومة ومهزوزة درامياً!
فهمنا من خلال حوار رشيق لكنه مكرر أن العريس مجاهداً عليه إيصال الحرز "الحجاب" إلى القائد الحاج قاسم سليماني في جبهة مدينة " البوكمال" في سورية، لذلك لا بد من تأجيل العرس لمرة ثالثة، وتم اختراع كذبة سفر العريس وتبرعه بكليته إلى عمه!
       وانتقلنا إلى خيمة لمتابعة المشهد الثاني وفيه صالة العرس، ومدير الصالة بهجت سرور...وفجأة تدخل عناصر من مديرية المخابرات، وتلقي القبض على العريس وعمه!
وبصراحة كل ما جاء في هذا المشهد التلفزيوني مقحماً ومفتعلاً ربما من أجل الاضحاك، ولم نضحك كثيراً، والأداء الحركي جامداً على عكس ما كان في المشهد الأول!
       وذهبنا إلى الخيمة الثالثة حيث المشهد الثالث ليتبين أننا في غرفة التحقيق...لقد وقعنا في عدم معرفة أسماء الممثلين، فما وزع علينا كتب فيه الأسماء الحقيقة ولم يشار إلى دور الممثل، لذلك سيتوه منا بعض الأسماء ونحن لا نعرف هذه الوجوه التمثيلية الشابة!
المحقق لعب دوره برشاقة رغم أن بعض المفردات تاهت منه كما الحالة والشخصية، وبدأ الشاب حسن يندمج بالشخصية أكثر، ولم تفلت منه، والأهم كان أبو كمال "حسين" مهضوماً!
وقدمت معلومة معرفية غاية بالاهمية عن دور التطبيقات التي تقتنص بياناتنا الشخصية، وتصل إلى العدو، وسببت سجن العريس!
والجميل أننا في لحظات دخلنا إلى مسرح الحكواتي، ولعبة الإيمائيات من " حسن قطيش" ( يتطلب أكثر تدريباً عليها)، والطريقة التي كتب فيها هذا المشهد جميلة ورشيقة خدمت العمل، ولو ترافق مع هذا المشهد السينوغرافيا المدروسة، وتحديداً الإضاءة الصح لإختلفت الصورة! ومن الواضح جهود المخرجة صبت هنا في أداء وإدارة الممثلين، وقد نجحت، ولكن لعبة الإضاءة وجب أن تدرس أكثر، ومع ذلك كنا أمام مشهدية مسرحية!
      وفي المشهد الرابع عدنا إلى خيمة منزل العروس، والتحقيق بين العريس وحماته والاعتراف بالحقيقة، ومن ثم دخول العروس ليتضح أن نور قررت أن تذهب إلى الجبهة حيث يذهب عريسها المقاوم سائق الجرافة إلى " البوكمال"، ويدخل والد العروس مضروباً" ماكل فلقة" والطفل كمال!
حوار رشيق رغم سرعته، جميل الأداء والحركة، وفيه ضحكة نظيفة والموقف الذي يؤسس للمشهد الخامس والأخير حيث اندماج كل المسرحيات الثلاث! 


*إشارة*: يرافق كل تنقلاتنا أصوات الرصاص وصراخ الشباب ونحن لا نعرف ماذا يحدث في الخيم الثانية، ولم ننزعج من ذلك، بل زادنا التطفل!

*الاندماج والمخرجة*

   وصلنا إلى خيمة كبيرة، تشير إلى أرض المعركة على أبواب " البوكمال"، رجال الله يستعدون لتحرير المدينة السورية من أعداء الله وعملاء مشروع الشيطان الأكبر!
ساحة تضم شباب الجهاد في المسرحيات الثلاث، تتوزع الأسلحة والذخيرة والجرافة بطريقة ذكية، زاد جماليات المشهد توزيع المقاتلين الممثلين بحنكة، وتوزيع الأدوار والحوار الجميل والحركة المدروسة، وحينما تم التحاق فرق الإعلام "للدلالة على فكر الحاج سليماني التنويري في كيفية التصالح مع الإعلام واستخدامه في المعركة وشاشة العرض الكبيرة في الزاوية الشمالية استخدمت بطريقة جميلة وصريحة وملفتة ساهمت بتطوير النص المشهد حيث تحرير المدينة" تبين أن السينوغرافيا مشبعة في جماليات الصورة بما تضمنتها من اكسسوارات حية " الممثل"، وجامدة " أسلحة وديكور "، وإضاءة " لونت الحدث" مع بعض الفقر في توظيفها احياناً حيث وجب أن يكون لها مساحة ودور...!
المشهد الخامس حالة مسرحية قائمة كان بالإمكان جمع كل المسرحيات الأحداث على عتبة " البوكمال" مع تغيير فكرة النصوص ليصبحوا نصاً واحداً هنا!
هنا اكتشفت أن المخرجة بدأت تتعرف على الإخراج المسرحي بهدوء وبتواصل ما بين الحوار وحركة إدارة وتحريك الممثل ولعبة أبو الفنون، أن تستخدم مساحة عريضة بهذه الزاوية يتطلب الجهد والانتباه والجرأة في الخوض، واعترف أنني أمام مخرجة قد يكون لها مساحة من النجاح بشرط التواضع مع أدوات المسرح!
انصحها بأن تتعامل مع النص المسرحي كمسرح وليس نصاً يصلح للتلفزيون أو الإذاعة كما حدث في هذا العمل، وأن تتغمس بالفكرة ومن ثم تضع رؤية تؤهلها اللعب على الحوار، وبذلك تتعامل مع الشخوص بحنكة لا أن تتعامل مع دور يصلح لهذا أو ذاك، بل هي تصنع التميز من خلال إدارة ممثل تفهم ماذا تريد منه، وحينما تدرك ذلك، عليها أن تنشغل بالحلم، فالمسرح هو الحلم، والحلم يطلع من خلال التعمق بالسينوغرافيا المسرحية لا الشكل الصورة التلفزيونية كما شاهدنا أحياناً، السينوغرافيا كل المشهد بما فيه وحمل من ممثل واضاءة وزخرفات الاكسسوار والأثاث والحركة وما يخدم النص الحوار...في المسرح لكل حركة تبريراتها والمتلقي ينتظر أسبابها!
المخرجة ريان خير الدين هنا، ورغم ملاحظات لم اكتبها كلها احببت فيها هذا التحدي، وبدأت اقتنع بها كمخرجة انتظر منها الأهم...التروي في التنفيذ بعد الرؤية هو المطلوب الآن!

#ملاحظات سريعة
    العمل نواياه طيبة، ولكن لم نعد نسمح لأنفسنا بأن نتحدث عاطفة بعد اليوم لكوننا نؤمن بأن للفن دوره المقاوم، ودوره أكثر من مهم في إيصال رسائل غاية بالخطورة إلى المتابع، وها نحن نتلمس منذ أكثر من 10 سنوات كيف تستغل دول بسياساتها الشيطانية الدراما التلفزيونية والسينمائية لتخدر الناس، وترمي سمومها وتأخذ المتلقي إلى التطبيع مع عدوه وخيانة ذاته...لذلك سنتعامل مع عمل وليس مع عاطفة رغم أهمية القضية المطروحة! 
كان بالإمكان دمج المسرحيات الثلاث في عمل موحد ببساطة مع الحفاظ على الانتقال من خيمة إلى خيمة، وخلال الانتقال نقدم مشهدية جديدة !
أو كان باستطاعة الفكرة الواحدة أن تجسد من خلال مشهد واحد بين ثلاث خيمات، ويتم الانتقال إلى خيم تالية وصولا إلى حلول اخراجية للمشهد الخامس برؤية تحافظ على المضمون الفكرة، وبذلك نكون قد شاهدنا العمل الواحد بمسؤولية، واعطينا مساحة تنافسية لفرادة الممثل، والمخرج!
وبما أن "المَعبَر" تضمن ثلاث مسرحيات ضمن 75 دقيقة تحاكي سيرة المقاومين وسوالفهم المقدسة منها " أجَّلناها" و" عَ آخِر نفس" و " احتمال" سنشير إلى ما شاهدناه في مسرحية " أجَّلناها"، وعرضت في الضاحية الجنوبية - باحة ساحة عاشوراء.

#النص
الكتابة من نصيب أحمد بزي وحسن قطيش، وقد شاهدنا سابقاً مسرحية من كتابة قطيش، وكانت في بعض حواراتها مغرقة بالمباشرة، نستطيع القول أن هذه الشراكة أبعدت المباشرة عن العمل رغم واقعية الحدث القصص التعبير الحواري، ونجحا معاً!
النص تميز في المشهد الخامس من خلال حوارات مشبعة بالكوميديا النظيفة والرشاقة في جمل خدمت البعد الدرامي، والنص يصلح لكل العائلة دون خوف من التلقي، وكنت أتمنى أن لا يُقدم الشباب المقاوم بهذه الخفية أحياناً!
النص في المشهد الأول كان جميلاً عابه تكرار الحدوثة والمعنى، وكان أيضاً لافتاً في غرفة التحقيق!
الكتابة المسرحية تختلف عن الكتابة التلفزيونية كلياً، حينما نكتب للمسرح علينا البحث عن فكرة وليس عن الموضوع، وأن لا نجعل الابطال مجرد حالة أدبية كرتونية بل يلعبون على النص والورق قبل أن يلعبوا على الخشبة، والأهم التصالح مع رؤية المخرج حينما يقرر هدم النص مع الحفاظ على الفكرة وشخصية أبطال العمل المسرحي كشخوص تتطور وتتلون لا أن تتجمد باللغة والشكل!
أشير إلى هذا لكون بعض المشاهد والحوارات جاءت تلفزيونية أكثر مما هي مسرحية!

#الممثلون
تفاوت أداء الممثلين رغم ما وصلنا من جماليات أداء البعض، وقد لفتني حسن قطيش ببساطة الأداء والنطق السليم، وكان بإمكانه أن يلون دوره أكثر في مشهد التحقيق، وفي المشهد الخامس، فقد تاه بزحمة الممثلين!
* زينب برجاوي، رشيقة، مطواعة، حضورها محبب، ومتمكنة من استخدام جسدها بخفة وذكاء، تستطيع أن تلعب كوميديا وتراجيديا بسهولة، إنها مقدرة لا يمتلكها غيرها، وهذه الناحية وجدتها عند زميلتها آية بغدادي.
* أية سريعة النطق، مخارج حروفها سليمة غير مزعجة، والمسرح يحبها، متصالحة مع الشخصية في البوح والحركة السليمة، أقصد تحرك جسدها بسهولة، كان الواجب وضع بعض المكياج لكونها ظهرت أصغر من ابنتها!
* حسين محي الدين، ممثل كوميدي جاهز شكلاً ومضموناً، هو كاركتر، يتطلب أن يُكتب له، وأن يستغل جيداً، وبالإمكان ذهابه إلى التلفزيون في أدوار الكوميديا ومن ثم يلون.
في هذا العمل كان النكهة المهضومة، ولم يكن مهرجاً ولم يقع في العباطة، وعليه أن يحفظ طبيعة الشخصية حتى لا تهرب منه كما حدث في مشهده الأخير!
* عبد النبي سلمان " صانع الحرز" هضامة بالحضور وبالحركة، هو متلون جميل ويتطلب التركيز في الشخصية لا أن يتعقل فيها" شاهدته في المشهد الخامس" ولا أعرف ما قدمه بمسرحية " احتمال" رغم اشادة الزملاء بدوره!
* علي منصور " المسعف" واضح لهذا الشاب إمكانيات جيدة، مؤسف لم أتمكن من مشاهدته في " عَ آخر نفس"، وما قدمه في المشهد الخامس كشف عن موهبة متمكنة رغم أن دوره تاه وخفت بين زحمة الشباب، نطقه سليم، وحضوره محبب.
* حسين ناصر الدين " صلاح" أتابعه بشغف، هو مسرحي متميز بجسده الرشيق وبتقمصه للشخصية، أنا منذ انطلاقته الأولى اشجعه ومؤمن بموهبته، في مشهده الخامس كان منطقياً ولا أعرف ماذا قدم قبل هذا المشهد، كنت أتوقع منه مساحة أكبر فهو مشروع باستطاعة استغلاله في النص الدور وتوسيع دائرة دوره، ورغم تغييبه عن الحوار ارتجل الحركة داخل المنصة وكان موفقاً في لفت انظارنا...اعتقد المخرجة تتحمل خسارة عدم تقوية دوره!
 * المحقق لم يقنعنا، وتاه منه الدور، وصاحب الصالة فقد الشخصية المرسومة، والمسؤول العسكري رغم رمزيته الأهم كان مروره عابراً مع إن الطول والشكل والنطق وجب استغلالهم بطريقة مغايرة عما حدث وقدم! 
" المَعبَر" رغم الملاحظات السريعة وعدم اعتيادية بعض الجمهور على هكذا نوعية، نستطيع القول أننا أمام مخرجة واعدة، ومجموعة ممثلين يبشرون بمساحة متألقة لو اتيحت لهم فرص جادة، والأغلبية تستحق البطولة والانتقال إلى الدراما التلفزيونية والسينمائية!
يبقى أن نشيد بجهود الديكوريست أحمد جابر ومحمد مهدي وفاطمة جابر وفريق التنفيذ...وفي الختام ننصح بالمشاهدة الفنية لأعمال غيرنا، فالمشاهدة تطور المدارك الثقافية عند الفنان!


المصدر : admin
المرسل : الناشر الناشر